المواجهة الاسرائيلية – الايرانية …. صراع متصاعد بسرعة متجذرة في الأيديولوجيا

خاص – بيروت بوست
في العمليات العسكرية، هناك ثلاثة مفاهيم مكانية أساسية توجه التخطيط الاستراتيجي والتكتيكي: منطقة الاهتمام، منطقة النفوذ، ومنطقة العمليات.
تشمل منطقة الاهتمام، المنطقة الأوسع، خارج ساحات القتال المباشرة، التي يمكن أن تؤثر على أمن الدولة. ويشمل ذلك الأراضي المعادية والصديقة والمحايدة والمناطق المجاورة والمناطق المتأثرة بالعوامل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.
وتشير منطقة النفوذ، إلى المنطقة التي يمكن للقائد أن يؤثر فيها بشكل مباشر على النتائج من خلال أدوات القوة المختلفة، مثل المناورة وقوة النيران والاتصالات والوسائل الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والدينية والعرقية والنفسية.
في حين أن منطقة العمليات، هي المساحة الجغرافية المحددة على وجه التحديد حيث يتم تنفيذ المهام وحيث يتم نشر القوات وتنسيقها للدفاع عن الوطن. وتساعد هذه المجالات الثلاثة معًا القادة والقادة على توقع التهديدات وتشكيل البيئة وتركيز الجهود العملياتية بفعالية.
وبالنظر تحديدًا إلى المنطقة الواقعة غرب إيران، وهي المنطقة التي تركز عليها هذه الورقة، يتضح أن إيران اعتمدت منذ فترة طويلة على قوات وكيلة لتوسيع عمقها الاستراتيجي ونفوذها. فقد استخدمت على مدى عقود من الزمن وكلاءها لتعزيز قدراتها في منطقة مصالحها، حيث انخرطت في مناطق مثل: السودان، البحر الأحمر، مصر، قبرص، وتركيا.
وعلى الرغم من أن هذه المناطق لم تكن ساحات قتال مباشرة، إلا أنها وفرت لإيران مزايا استخباراتية وامتدادًا لوجستيًا وموقعًا استراتيجيًا، كما ان طهران خاضت، في الوقت نفسه، الكثير من مواجهاتها مع خصومها في منطقة نفوذها، وشنت حروبًا بالوكالة في اليمن، غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، والعراق، ومن خلال دعم العناصر المتشددة في جنوب السعودية والبحرين.
مقاربة سمحت لإيران بإضعاف أعدائها مع الحفاظ على إمكانية الإنكار وتجنب الانتقام المباشر. وبمرور الوقت، أدى نجاح هذه الاستراتيجية إلى اعتقاد القادة الإيرانيين وحلفائهم أنهم حققوا تفوقًا حاسمًا على كل من القوى الغربية والمنافسين الإقليميين، مما دفع إسرائيل والغرب إلى تبني موقف أكثر براغماتية والتفاوض مع إيران من موقع التنازل. غير أن حرب “طوفان الاقصى” شكّلت نقطة تحوّل مهمة.
فمع الدمار الواسع النطاق الذي لحق بوكلائها في غزة، الضفة الغربية، لبنان، وسوريا، فقدت إيران الكثير من عمقها الاستراتيجي. إذ لم تعد قادرة على الاشتباك مع أعدائها بفعالية من خلال الحرب بالوكالة عبر منطقة نفوذها، واجدة نفسها مكشوفة بشكل متزايد داخل منطقة عملياتها، أي داخل أراضيها، اذ للمرة الأولى منذ حربها مع العراق، في ثمانينيات القرن الماضي، يضطر النظام الإيراني إلى الدفاع عن مجاله الجوي وأراضيه بشكل مباشر، مما يكشف عن نقطة ضعف حرجة.
وفي حين أن إيران أتقنت فن الحرب بالوكالة، إلا أن استثماراتها في الدفاع عن أراضيها أثبتت أنها غير كافية وعفا عليها الزمن، خاصة بالنظر إلى التفوق العسكري النوعي الذي تحتفظ به إسرائيل والغرب. وتكافح إيران الآن للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الجريئة المتزايدة. وقد كشف تآكل مناطقها العازلة الخارجية عن محدودية دفاعاتها الداخلية ولا يهدد استقرار النظام فحسب، بل يهدد أيضًا قدرتها على البقاء والاستمرارية والأهمية على المدى الطويل كقوة إقليمية.
ومع ذلك، هناك عدة سيناريوهات يمكن للنظام الإيراني أن يضعها الآن في الحسبان، أبرزها ثلاث:
الاول، إستيعاب إيران بسرعة خطورة مأزقها الحالي وحجم التهديدات التي تواجهها، مما يدفعها إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار والإعراب عن استعدادها لقبول اتفاق سلام مع الولايات المتحدة.
أما الثاني، الأكثر تصعيداً، فيفترض أن إيران تعتقد أن إسرائيل ستعمد إلى تخريب أي حل دبلوماسي محتمل مع الولايات المتحدة وتسعى بدلاً من ذلك إلى شن حملة عدوانية حركية واسعة النطاق ضدها. في هذه الحالة، قد ترد طهران من خلال تهديد أو تعطيل الأصول الإقليمية الرئيسية، مثل مضيق هرمز أو مواقع النفط والغاز الحيوية وطرق الشحن، الأمر الذي من المرجح أن يجر الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين إلى صراع أوسع نطاقاً إلى جانب إسرائيل، مما قد يجبر إيران على الاستسلام غير المشروط.
الخيار الثالث، ربما الأكثر يأسًا، فهو الطلب الى “الاذرع” التدخل، حيث ينخرط حزب الله في حرب برية مباشرة مع إسرائيل. وفي حين أن هذه الخطوة ستكون كارثية لكل من لبنان وحزب الله على حد سواء، إلا أن إيران قد ترى فيها ملاذًا أخيرًا لفتح جبهة جديدة وصرف انتباه إسرائيل عن حملتها ضد إيران وتأجيج التوترات الإقليمية.
تطور قد يؤدي إلى توتر التماسك الداخلي الإسرائيلي، مع انخراط الجيش الإسرائيلي في حرب برية في لبنان، وتعقيد الاستراتيجية العسكرية للحكومة، حتى لو كان ذلك مكلفًا للغاية بالنسبة إلى حلفاء إيران المتبقين.
مع التذكير أن حزب الله، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بقدراته الصاروخية المتطورة والطائرات بدون طيار، الا أنه لا يزال يحتفظ بالهيكل التنظيمي، القوة البشرية، الالتزام الأيديولوجي، والحماس العملياتي لتنفيذ هجوم واسع النطاق يذكرنا بهجوم 7 تشرين الأول، مستهدفاً هذه المرة شمال إسرائيل ومنطقة الجليل.
“مهمة إنتحارية”، ستقترن عمليا بعملية إنقلاب داخلي في لبنان، هدفها القضاء على الخصوم السياسيين وتأكيد السيطرة الكاملة على الدولة، وهو ما يتماهى مع القناعات الأيديولوجية والدينية المتجذرة لدى العديد من قيادات الحزب، الذين يؤمنون بأن الشهادة والتضحية يمكن أن تؤدي إلى النصر الإلهي.
قد يبدو هذا السيناريو غير منطقي من وجهة نظر استراتيجية، إلا أنه يجب أن يؤخذ على محمل الجد، حيث أن كلاً من إيران وحزب الله يعملان حالياً في ظل حماسة أيديولوجية متصاعدة، مما يجعلهما أكثر عرضة لاتخاذ قرارات مدفوعة بالمعتقد وليس بالمصلحة المحسوبة.
إحتمال يضيف “طبقة” أخرى من التعقيد بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية، لا سيما إسرائيل والأنظمة العربية في الخليج ومصر، التي ستضطر إلى مواجهة تداعيات صراع متصاعد بسرعة متجذرة في الأيديولوجيا بقدر ما هي متجذرة في الجغرافيا السياسية.