أمن وقضاءخاصسياسةعالسطر

الراعي في طرابلس …. رد على التطرف؟

خاص – بيروت بوست

جاءت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى طرابلس في توقيت بالغ الحساسية، حاملة الكثير من الرسائل، لمدينة تشهد ومحيطها مؤشرات مقلقة على عودة الخطاب المتشدّد وتنامي حالات التطرّف الفردي والجماعي، في ظل انهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، وفراغ سياسي وأمني يفتح الباب أمام كل أشكال الاستثمار في اليأس والفقر.

من هنا، لا يمكن مقاربة الزيارة ببعديها الديني أو الرعوي فحسب، بل كحدث سياسي – وطني بامتياز، يحمل رسائل داخلية وخارجية تتجاوز حدود المدينة، ما تؤكد اوساط المدينة، التي توقفت عند النقاط التالية:

اولاً، على المستوى الرمزي، شكلت زيارة رأس الكنيسة المارونية إلى عاصمة الشمال ذات الغالبية السنية رسالة واضحة ، حيث اكدت على الشراكة الوطنية ورفض منطق العزل أو الخوف المتبادل، بعد ان كان البابا لاوون قد ذكرها في عظته مانحا المدينة سلامه. فالراعي، بما يمثّله من ثقل روحي وسياسي، يدخل إلى مدينة تُستخدم منذ سنوات كساحة لتبادل الرسائل الإقليمية، ليقول إن طرابلس ليست هامشاً ولا ساحة للتطرّف، بل ركيزة أساسية في الكيان اللبناني، تحديدا  في لحظة يُعاد فيها إحياء خطوط تماس مذهبية، نالت المدينة حصتها منه خلال الساعات الماضية.

ثانياً، سياسياً، تأتي الزيارة في سياق قلق متزايد لدى المرجعيات الدينية والسياسية من تحوّل التطرّف إلى أداة ضغط أو تفجير داخلي، سواء عبر خلايا نائمة أو عبر تحريض إعلامي وديني، حيث جاءت جولة البطريرك لتشكّل مظلّة وطنية للقيادات السنية المعتدلة، وتعزّز خطاب الدولة في مواجهة محاولات اختزال المدينة بصورة نمطية كحاضنة للتشدّد. وهي رسالة مباشرة للمعنيين بأن المعالجة لا تكون أمنية فقط، بل سياسية – اجتماعية أيضاً.

ثالثاً، أمنياً، لا يمكن فصل الزيارة عن محاولة تحصين الساحة الشمالية استباقياً، في ظل تلاقي عوامل خطِرة: فقر مدقع، بطالة، نزوح، وتوتّر إقليمي. فالراعي، من موقعه، ساهم في خفض منسوب الاحتقان عبر خطابه الجامع، مانحا القوى الأمنية غطاءً معنوياً لمواصلة سياسة الاحتواء بدل المواجهة المفتوحة، التي أثبتت التجارب السابقة كلفتها العالية على طرابلس وأهلها.

وختمت الاوساط، بان زيارة البطريرك الراعي إلى طرابلس ليست حدثاً عابراً، بل خطوة محسوبة في معركة منع سقوط المدينة في فخ التطرّف والعزل، ومحاولة لإعادة تثبيت طرابلس في قلب المعادلة الوطنية، وتذكير الجميع بأن مواجهة التطرّف تبدأ بإعادة الاعتبار للدولة، وللشراكة، وللعدالة الاجتماعية، لا بترك المدن المهمّشة فريسة للغضب واليأس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى