خاصأمن وقضاءإقليميدوليسياسةنزاعات وصراعاتنقطة فاصلة

التمديد الاخير لليونيفيل: مرحلة جديدة من التوتر؟

خاص – بيروت بوست

في كل عام، تتجه أنظار المراقبين والمهتمين بالملف اللبناني نحو أروقة الأمم المتحدة، حيث يتجدد الجدل حول مصير بعثة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، اليونيفيل. لكن هذا العام، حمل المشهد أبعاداً مختلفة وأكثر تعقيداً.

فالتمديد هذه المرة لم يكن مجرد إجراء روتيني في أروقة الأمم المتحدة، بل حمل في طياته دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، لا يمكن فصله عن التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، والتوترات المستمرة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، والمواقف المتباينة للأطراف المعنية.

فهل يعكس هذا التمديد الأخير فشلاً دولياً في التوصل إلى حلول مستدامة، أم أنه يمثل فرصة أخيرة لإعادة صياغة قواعد اللعبة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة؟

مصادر سياسية مخضرمة، تابعت مسار اليونيفيل لسنوات، رأت ان مهام اليونيفيل حتى ٣١ كانون ٢٠٢٧، ستكون دقيقة وحساسة، حيث سيكون المطلوب منها، وفقا للاتفاق الجانبي بين واشنطن والمعنيين، التنفيذ الكامل لكافة المهام الموكلة اليها وفقا للقرار ١٧٠١، دون اي التفاف او مواربة، وفي مقدمتها، مساعدة القوات المسلحة اللبنانية على بسط سيادتها على كامل منطقة الجنوب، من خلال
إقامة منطقة خالية من أي وجود عسكري غير شرعي، من جهة، ومنع نقل الاسلحة من جهة اخرى.

علما ان مهام اليونيفيل شهدت تعقيدات متزايدة، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة حرية حركتها وقدرتها على القيام بدوريات مستقلة، حيث أصبحت هذه المسألة نقطة خلاف رئيسية، إذ ترى بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن حرية حركة البعثة ضرورية لتنفيذ ولايتها بالكامل، بينما تعتبر أطراف محلية الامر تحدياً لسيادة الدولة اللبنانية، وهو ما ارتكزت اليه واشنطن لدعم مطلبها.

وكشفت المصادر ان  عدة عوامل دفعت نحو التمديد لليونيفيل للمرة الأخيرة بدلاً من إلغاء مهمتها الفوري، ابرزها:

– الحفاظ على الاستقرار الهش: فوجود القوات الدولية لطالما مثل “عامل ردع” رئيسي وساهم في منع التصعيد على الحدود. من هنا فإن سحبها المفاجئ قد يترك فراغاً أمنياً خطيراً، مما يزيد من احتمالية حدوث مواجهة عسكرية واسعة.

– ضمان التواجد الدولي: اذ منح التمديد الجهات الاوروبية المعنية وفي مقدمتها فرنسا، وقتاً إضافياً لإيجاد حلول بديلة أو إعادة صياغة دور اليونيفيل بما يتناسب مع التطورات الميدانية.

-تجنب المواجهة السياسية: ذلك ان إنهاء مهمة البعثة فورا قد يثير انقسامات حادة داخل مجلس الأمن ويخلق أزمة سياسية ودبلوماسية، خصوصاً مع وجود تباين في المواقف بين الدول الداعمة للبعثة والأخرى التي ترى أنها لم تعد فعّالة، وكلاها يملك حق النقض.

وختمت المصادر، بان التحديات والآثار المترتبة على المرحلة المقبلة، كبيرة وخطيرة، على اكثر من صعيد، اهمها:

– مستقبل القرار 1701: حيث انه مع إنهاء مهمة اليونيفيل، يطرح تساؤل كبير حول مصير القرار 1701. هل سيتم العمل على إطار بديل أم أن القرار سيفقد فعاليته مع غياب آلية تطبيقه؟ هذا قد يعني عودة الوضع إلى ما قبل 2006.

– تعزيز دور الجيش اللبناني: اذ قد تضطر القوى الدولية إلى تقديم دعم أكبر للجيش اللبناني لتمكينه من السيطرة الكاملة على الجنوب، وهو ما يواجه تحديات داخلية وخارجية، سياسية ومالية كبيرة.

– إعادة تعريف قواعد الاشتباك: في ظل غياب اليونيفيل، ستصبح قواعد الاشتباك على الحدود أكثر تعقيداً، وقد تزيد من مخاطر الحسابات الخاطئة التي قد تؤدي إلى صراع.

– تأثير التنافس الجيوسياسي: فانهاء البعثة قد يعكس فشلاً دولياً في التوصل إلى حلول مستدامة للصراع، ويفتح الباب أمام قوى إقليمية لتوسيع نفوذها وتأثيرها في المنطقة.

عليه فان التمديد لليونيفيل للمرة الأخيرة ليس نهاية القصة، بل هو بداية لمرحلة انتقالية حاسمة. إنه بمثابة إعطاء فرصة أخيرة للأطراف المعنية للتوصل إلى تسوية سياسية وأمنية شاملة، ما يضع على عاتق الأطراف اللبنانية مسؤولية أكبر لإيجاد حلول داخلية، كما يفرض على المجتمع الدولي إعادة تقييم شامل لاستراتيجيته في المنطقة.
فهل يمكن للأطراف المعنية استغلال هذا التمديد الأخير لترسيخ أسس استقرار دائم، أم أن غياب اليونيفيل سيكون بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة من انعدام اليقين والتوتر؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى