خاصإقليميدولينزاعات وصراعات

هل تخلى ترامب عن إسرائيل مقابل نوبل للسلام؟

خاص – بيروت بوست

منذ لحظة دخوله البيت الأبيض، شكّل دونالد ترامب ظاهرة سياسية فريدة قلبت موازين العلاقات الدولية، لا سيّما في الشرق الأوسط، حيث أرسى قواعد جديدة في التعامل مع الصراع العربي – الإسرائيلي. فالرجل الذي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأوقف تمويل وكالة “الأونروا”، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، خلال ولايته الاولى، بدا وكأنه الأكثر التصاقاً بالمشروع الإسرائيلي منذ قيام الدولة العبرية، في الاشهر الاولى من ولايته الثانية.

إلا أن المشهد تغيّر تدريجياً خلال الاسابيع الاخيرة، حين بدأ ترامب يسوّق نفسه بصورة “صانع السلام”، لا “رجل المواجهة”، عبر سلسلة من المبادرات الدبلوماسية التي أعادت طرح اسمه على الساحة الدولية، وصولاً إلى ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام.

تحوّل مفاجئ، في الخطاب والأولويات، أثار تساؤلات واسعة: هل يسعى الرئيس الأميركي فعلاً إلى تغيير استراتيجي في مقاربته للشرق الأوسط، أم أنه يتحرّك في إطار تكتيكي هدفه بناء رصيد شخصي على حساب بعض ثوابت التحالف الأميركي – الإسرائيلي؟ وهل يمكن أن يقايض ترامب “الولاء التاريخي لإسرائيل” بفرصة نيل اعتراف دولي على شكل جائزة نوبل، تُكرّس عودته إلى الساحة العالمية بصورة “رجل السلام بعد رجل القوة”؟

المؤشرات المتراكمة، من مبادرته في غزة إلى مساعيه لإحياء دور واشنطن كوسيط، تُظهر أن ترامب يحاول رسم ملامح إرث سياسي مختلف عن ولايته السابقة، من دون أن يقطع شعرة معاوية مع تل أبيب. فالدبلوماسية التي يمارسها اليوم تبدو أقرب إلى “دبلوماسية الصورة والرمز”، منها إلى تحوّل جوهري في المواقف، حيث يسعى من خلالها إلى استعادة الأضواء الدولية وتلميع صورته كرئيسٍ قادر على صناعة التسويات بعد أن اشتهر بسياسات الصدام والانسحاب.

للتذكير بداية، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسمياً ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، مشيداً بدوره في توقيع “اتفاقيات ابراهام” التي أرست علاقات تطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.  ترشيح، في جوهره، يُفنّد عملياً نظرية “التخلي” عن إسرائيل، ويؤكد أن العلاقات السياسية بين الطرفين لا تزال متينة، بل تُستخدم لتلميع صورة ترامب على الساحة الدولية.

لكن الترشيح نفسه حمل رسالة مزدوجة: فهو من جهةٍ عزز سردية “الرجل الذي صنع السلام في الشرق الأوسط”، ومن جهة أخرى أتاح لترامب الظهور كقائد عالمي يسعى لإنجازات دبلوماسية تتجاوز حدود الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني التقليدي.

فعودة ترامب إلى واجهة الوساطات الإقليمية من بوابة غزة جاءت عبر ما سُمّي بـ”المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام”، والتي تضمنت وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار وتبادل الأسرى. تطور، وإن كان محدوداً، الا انه أُريد له أن يُسوّق ك”اختراق تاريخي” يعيد لواشنطن دور “الوسيط النزيه”، ويمنح ترامب ورقة سياسية تضعه في مصاف المرشحين لجائزة نوبل.

إلا أن خبراء الشؤون الدولية يرون في هذه الخطوة تحركاً تكتيكياً أكثر منه تحولاً جذرياً في الموقف من إسرائيل. فالصفقة لا تغيّر في جوهر التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل ابيب، لكنها تمنح ترامب فرصة لإظهار وجهه الدبلوماسي “المعتدل” أمام الرأي العام العالمي.

تعديل لا تخلي

استنادا لما تقدم، من الخطأ قراءة تحركات ترامب الأخيرة على أنها تراجع أو خيانة لإسرائيل، اذ تشير الأدلة إلى ما يمكن وصفه بـ”التعديل الاستراتيجي” في اللغة السياسية، لا أكثر ولا أقل، فالرئيس الأميركي يسعى لإيجاد توازن بين الحفاظ على دعم إسرائيل من جهة، وبين إظهار نفسه كرجل دولة يسعى إلى إحلال السلام من جهة أخرى، في اطار معادلة دقيقة تسمح له بالحصول على مكاسب مزدوجة: داخلية وخارجية.

يؤكد ما تقدم، ان الدعم الأميركي لإسرائيل لم يتراجع فعلياً: لا في المستوى الأمني، ولا في الالتزامات السياسية، بل إن تل أبيب نفسها لا ترى في تحركات ترامب تهديداً لمصالحها، طالما أنها تصبّ في خانة تثبيت دورها الإقليمي، وإن بشكل غير مباشر.

في المقابل، من الناحية الرمزية، يدرك ترامب أن نيل جائزة نوبل سيشكّل تتويجاً لمسيرته السياسية ويعيد إليه البريق الذي فقده بعد خروجه من البيت الأبيض، دون ان يعني ذلك، بالضرورة التنازل عن التحالفات التاريخية، فهو يدرك جيدا، أن لجنة نوبل لا تمنح جوائزها بناء على نوايا أو حملات إعلامية، بل على إنجازات مستدامة تحقق سلاماً فعلياً. وهنا “بيت القصيد”، إذ لا تزال مبادرات ترامب في الشرق الأوسط، من اتفاقيات ابراهام إلى صفقة غزة، في إطار “السلام الهشّ”.

“تكتيك الصورة” أو”استراتيجية النفوذ”؟

في الخلاصة، اكيد ان ترامب لم يتخلَّ عن إسرائيل، بقدر ما حاول إعادة صياغة العلاقة معها في قالب أكثر مرونة يخدم مصالحه الشخصية والسياسية. فما يجري هو سياسة توازن دقيقة بين تأييد إسرائيل التقليدي، وبين رغبة في إعادة تقديم نفسه كـ”مهندس سلام” في المنطقة.
قد لا يفوز ترامب بجائزة نوبل هذا العام، وربما لن يفوز بها أبداً، لكن الواضح أنه نجح في إعادة إدخال اسمه إلى واجهة النقاش الدولي حول قضايا الشرق الأوسط، مستفيداً من التهدئة أو الاتفاق المحدود، لتصوير نفسه كصانع سلام عالمي.

عليه، لا يبدو أن الرجل الذي نقل سفارة بلاده إلى القدس، وألغى الدعم عن “الأونروا”، وتبنّى خطاباً داعماً لإسرائيل في كل المحافل، يمكن أن يتخلى عنها بسهولة،
فما يفعله ترامب هو تعديل في التكتيك، لا انقلاب في العقيدة، في معادلة تجمع بين براغماتية “نوبل”، وواقعية التحالف الدائم مع تل أبيب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى