أمن وقضاءسياسةعالسطرغير مصنفمختارات

في مسألة الحوار والسلاح

البروفيسور فيليب سالم – واشنطن

في العشرين من نيسان الفائت، احتفل المسيحيون في جميع بقاع الأرض بقيامة المسيح. أما نحن في لبنان لا نزال ننتظر. نصلي ونردد، ” نسجد لآلامك أيها الوطن الحبيب فأرنا قيامتك المجيدة”. وجاء “اليوم الذي صنعه الرب”. ودُحرج الحجر الكبير من أمام باب القبر. ها قد عاد لبنان إلى الحياة. عاد الى الحياة ولكنه لم يخرج من القبر بعد. انه يخاف من السلاح المتراكم فوق الأرض وتحتها.ها قد دُحرج الحجر وتغيّر الشرق كله.

لقد انهار محور الممانعة، وسقطت إيران الثورة الإسلامية إلى الأرض، ولربما تحتها. وتحررت سوريا من قبضة ولاية الفقيه. ونصَّب الرئيس ترامب ولي العهد السعودي سلطانا على العالم العربي. وأهم من كل ذلك، ماتت الأسطورة التي كانت تدّعي أن السلاح الذي يملأ السماء والأرض في لبنان هو من أجل تحرير فلسطين. لم يحرر هذا السلاح فلسطين، بل دمَّر ما تبقى منها. ودمّر الجنوب، وكل لبنان. كما دمَّر المقاومة الإسلامية نفسها التي تمتلك هذا السلاح.

كل ذلك، وجاء العالم كله لنجدتنا. ليقدم لنا يد الخلاص. جاء بقرار الأمم المتحدة رقم 1701 . فوافقت عليه دول الغرب، ودول العالم العربي، والدولة اللبنانية، وحزب الله ،وإسرائيل. ولا نُفشي سراً إذا قلنا بأن الذي طالب بهذا القرار وأصَّر عليه هو حزب الله نفسه. فلماذا إذا يا تُرى يحتاج تطبيق هذا القرار إلى حوار مع الحزب؟

نحن نحب الرئيس عون، ونحترم قيادته الحكيمة، ونثق بالتزامه بحصرية السلاح في يد الدولة؛ الا اننا نخاف عليه ونخاف أكثر على لبنان. نخاف أن يقود هذا الحوار إلى المماطلة وتضييع الفرصة الذهبية التي نمتلكها اليوم، وقد لا نمتلكها غدا. نخاف أن يقود هذا الحوار إلى تسليم السلاح الذي يهدد إسرائيل، والاحتفاظ بالسلاح الذي يهدد لبنان.

لقد اقتنع الحزب بأن سلاحه لن يقوى على تحرير فلسطين، ولكنه يعتقد انه قد يقوى على إجهاض تحرير لبنان. انه يطالب بالحوار لأنه يريد أن يبقى على سلاحه المتوسط والخفيف لتدجين القرار السياسي اللبناني. انه يريد أن يبقى لبنان رهينة لنفوذه وهيمنته.وللحوار أسس وقواعد. من أهمها أن يمتلك الشخص الذي تحاوره القدرة والحرية على أخذ القرار، وأن يمتلك أيضا القدرة على الالتزام به.

وهل يمتلك حزب الله هذه القدرة؟ ونسأل، أين يصنع القرار في حزب الله؟ أيصنع في الضاحية الجنوبية لبيروت؟ أو في ضاحية من ضواحي طهران؟ وهل التزم الحزب مرة واحدة بقرار وافق عليه على طاولات الحوار التي عقدت في بيروت؟ ألم يقل الحزب يوما أن قرارات طاولات الحوار كلها هي “حبر على ورق”؟ ونحن ندعم بكل قوة موقف الرئيس بعدم الانزلاق إلى الفتنة. ولكن من يريد الفتنة؟ ولماذا تكون هناك فتنة؟ كل ما يطلبه لبنان هو الالتزام بقرار هُم طالبوا به. بقرار هُم وافقوا عليه. فلماذا الاعتداء على اللغة؟ والاعتداء على الحقيقة؟

هنا لابد من توضيح موقفنا من حزب الله. إذ نحن نعتبر اللبنانيين، كل اللبنانيين في هذا الحزب هم أهلنا. نتشارك معهم في الأرض، ونتشارك معهم في صنع المستقبل. وبالرغم من كل القرارات السياسية الخاطئة التي أتخذوها والتي قادت إلى تدميرهم وتدميرنا، نعانقهم؛ ونطلب منهم العودة إلى البيت، بيتنا جميعا. العودة إلى لبنان. ونجرؤ أن نطلب منهم ما هو أهم من كل ما جاء في القرار 1701 ، وهو فك الارتباط مع إيران والارتباط تواً بلبنان. نطلب منهم التخلي عن المشروع الإيراني في الشرق والالتحاق بالمشروع اللبناني لبناء الدولة.

نحن ندعوهم إلى عمل بطولي، تاريخي، إلى التواضع، إلى التوبة، إلى الإيمان بأن لنا أب واحد وأم واحدة. الوطن هذا، هو والدنا؛ والأرض هذه، هي أمنا.ان فك الارتباط هذا هو “بيت القصيد” . ولنفترض أن حزب الله قام بتطبيق القرار 1701، وسلم سلاحه، كل سلاحه إلى الدولة اللبنانية، ولكنه لم يفك ارتباطه مع إيران، فماذا تكون النتيجة؟ عندها “ينام” حزب الله سنة، سنتين، أو سنين عديدة، وعندما تتغير الظروف وتتغير قادة الشعوب، يعود السلاح مرة ثانية ليتدفق من طهران إلى بيروت، ويعود لبنان عند ذاك إلى زنزانته. لقد شبعنا سلاحا وحروبا. نطوق إلى السلام. إلى السلام المستدام.

هذا ما نخافه على لبنان، وأما ما نخافه على الرئيس عون، هو أن اللجوء إلى الحوار قد يضعف صلابة الموقف اللبناني ويضعف هيبة الحكم. بين المطالبة بالحوار، والخوف من الفتنة، هناك خيارات أخرى كثيرة، من أهمها تطبيق القرار الأممي حسب ما نص عليه الاتفاق. بثبات وسرعة، وبدون إذلال أحد، أو استكبار على أحد. تطبيق القرار باحترام سيادة لبنان أولا، قبل احترام جميع الافرقاء الآخرين. وإن اضعنا هذه الفرصة سنخسر ثقة العالم بنا واحترامه لنا وسيعتبر العالم عند ذاك لبنان دولة فاشلة بسبب شعبها غير القادر على حكمها.


يقول الأمين العام لحزب الله: “لا تطلبوا شيئا منا قبل انسحاب إسرائيل من الجنوب، ووقف الخروقات ، وإعادة الأسرى، وإعادة الأعمار”. عسى أن نعيش طويلا لنرى ذلك اليوم الذي سيسمح فيه حزب الله لنا أن نطلب منه شيئا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى