أطلق في بورصة “وول ستريت” الأميركيّة، مسار جديد يقوده العالم نحو تسليع موارد أساسيّة كالمياه، وهو تطوّر يعيد طرح أسئلة حول معايير إدارة الموارد العامّة في ظل تغيّرات مناخيّة وجفاف متزايدَين.
فمنذ أن أعلنت مجموعة بورصة “شيكاغو” عن هذه العقود، والتي تخصّ مياه كاليفورنيا، دخل العالم في مرحلة غير مسبوقة تتّجه نحو تعاملات ماليّة تُحاكي أسواق الذهب والنفط.
قرار بدء هذه العقود جاء في وقت شهد فيه الغرب الأميركي أزمات بيئيَّة خانقة بسبب حرائق الغابات وموجات الحرارة الشديدة. كما أنّ هذه العقود، التي لا تتطلّب تسليمًا ماديًّا فعليًّا، تحفّز على تحويل التعامل مع المياه إلى استثمار مالي لا يقتصر على الشركات والمزارعين فحسب، بل يفسح المجال أيضًا للمضاربين في أسواق السلع، الذين قد يجدون فيها فرصة لتحقيق أرباح مستندة إلى تقلّبات ندرة المياه.
كما وأعلنت إثيوبيا عن إدراج مياه نهر النيل في البورصة ضمن خطّة لإنشاء لجنة لإدارة النهر، بهدف “تصحيح الاختلالات التاريخيةّ” في توزيع المياه بين دول الحوض.
رغم أنّ التحوّط في أسعار المياه قد يساهم في استقرار تكلفة الموارد المائيّة لقطاعات حيويّة كالزراعة وإنتاج الطاقة، إلّا أنّ اعتماد العقود الماليّة قد يفتح الباب لمخاطر ماليّة كبيرة تعمّق التحدّيات البيئيّة. فقد أكدت الأمم المتحدة مرارًا أنّ شحّ المياه سيؤدّي إلى نزاعات مستقبليّة. وفي ظل تسليع المياه، قد يتحوّل شبح هذه الصراعات إلى حقيقة، ما يعزّز فكرة أنّ الحروب القادمة ستكون على المياه بدلًا من النفط.
مع ذلك، لا يقتصر موضوع تسليع المياه على الولايات المتّحدة وحدها؛ فتجارب دول أخرى، مثل تشيلي، التي اعتمدت الخصخصة التامّة للموارد المائيَّة منذ عقود، تُظهر أنّ استثمار المياه كمورد سوقي قد يؤدّي إلى مشكلات اجتماعيَّة وصحيَّة، إذ أصبحت المياه النقيَّة سلعة نادرة في بعض مدن أميركا اللاتينيَّة. تتضاعف التساؤلات حول إذا ما كانت الخصخصة الحلّ الأمثل أم تهديدًا لحقوق الإنسان الأساسيَّة.
هل سيُسمح للمياه بأن تصبح سلعة خاضعة لآليّات السوق في وقت يواجه فيه العالم أزمات جفاف غير مسبوقة؟ أم أنّ هذا النهج يمثّل انحرافًا أخلاقيًّا سيضع شعوب العالم أمام تحدّيات بيئيّة واقتصاديّة جسيمة؟
(المرفا)