
في أولى تصريحاته المثيرة قبل أعوام، قال توم باراك إن “حدود سايكس بيكو قد سقطت”، أما اليوم، فذهب أبعد من ذلك. أعلن بوضوح أن لبنان بات مهدداً وجوديًا، ليس فقط من إسرائيل أو إيران، بل من الداخل السوري أيضًا. بحسب باراك، فإن “السوريين باتوا يعتبرون أن حدودهم الطبيعية هي الشاطئ اللبناني على المتوسط”، في إشارة إلى طرابلس، عكار، وربما أجزاء من البقاع. واللافت أن هذا التحذير لم يصدر عن محلل أو صحافي، بل عن المسؤول الأميركي الأسبق عن الملفّات السورية واللبنانية والتركية، ما يمنح كلامه وزنًا سياسيًا واستراتيجياً كبيرًا.
خطأ فادح أن نعتقد أن المشروع الإسرائيلي محصور بتغيير الأنظمة أو تطبيع سياسي. الهدف أعمق وأخطر: تفكيك الكيانات الحالية وبناء دول طائفية ومذهبية محيطة بإسرائيل، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عبر تغيير الخرائط.
لماذا لم يفرض النظام السوري، رغم كل دمويّته، سيطرته على السويداء الدرزية أو على مناطق “قسد” الكردية؟ لأن التقسيم ليس مجرد سيناريو مؤجل، بل مشروع مؤسس ينتظر لحظة التنفيذ. وعلى ما يبدو، فإن لحظة فصل الساحل السوري (المعقل العلوي) تقترب. وعندها تتوزع سوريا إلى أربع: دولة علوية، درزية، كردية وسنية. والدولة السنية لن تبقى حبيسة، بل ستُمنح منفذًا على المتوسط عبر طرابلس وعكار.
في هذا السيناريو، لبنان لن يبقى موحدًا. دويلة مسيحية، دويلة شيعية وربما دويلة درزية هي النتيجة الطبيعية لانهيار سوريا. والعراق، أصلًا، بدأ خطواته نحو هذا المصير: كردستان قائمة، والمناطق السنية والشيعية متمايزة جغرافيًا وسوسيولوجيًا. ومن بعده إيران: دولة بلوشية، عربية، فارسية، وآذرية (قد تنضم إلى أذربيجان). أما الأردن، فسينقسم بين بدو شرق الأردن، ودولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وسكان غزة بعد تحويلها إلى أرض غير قابلة للحياة.
لهذا، إسرائيل لا تستعجل إنهاء حماس، بل تستخدم بقاءها كذريعة لتدمير غزة تدريجيًا، وتحقيق الفراغ اللازم لتطبيق هذا السيناريو.
لا ندّعي امتلاك سيناريو نهائي، ولا نزعم أن خريطة التقسيم جاهزة، ولكن الغباء أن نتجاهل هذه المؤشرات. من يظن أن “الطوفان” أطلقه السنوار من تلقاء نفسه يعيش في إنكار كارثي.
وفيما يعاد رسم خرائط الإقليم، ننشغل نحن بتوزيع الأوسمة، حضور المهرجانات، ونشر بطولات وهمية على يوتيوب. مع كل هذا، يُحذر سمير جعجع من أن اللحظة الدولية المؤاتية لن تبقى كذلك للأبد، وأن سحب السلاح (وليس تسليمه) هو الممر الإجباري لمنع انهيار الكيان.
فإن لم يُسحب سلاح “الحزب”، سيُستَخدم كذريعة لإدخال قوات جديدة تحت عنوان إنقاذ لبنان… وحينها نكون قد دخلنا فعلاً في زمن إعادة رسم الخرائط.
(بودوان عبدالنور)